الخميس 10 شوال 1445هـ الموافق 20 أبريل 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

غزوة تبوك فوائد ومواعظ 4/5

المقالة

Separator
غزوة تبوك فوائد ومواعظ 4/5
1590 زائر
28-02-2012 04:06
د.عبد السلام بن إبراهيم الحصين

غزوة تبوك فوائد ومواعظ 4/5

إن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لما أقبل على تبوك قال لأصحابه: ((إنكم ستأتون غدًا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئًا حتى آتي))، فجاءها المسلمون وقد سبقهم إليها رجلان منهم، والعين مثل الشِّراك تَبِضُّ بشيءٍ من ماء، أي عين صغيرة، ليس فيها إلا ماء قليل جدًا، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((هل مسستما من مائها شيئًا؟))، قالا: نعم، فسبهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض أصحابه فغرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا، حتى اجتمع في شيء، فغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء منهمر أو غزير، حتى استقى الناس، ثم قال: ((يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانًا)).

وهذا من معجزات نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الغزوة.

ومن معجزاته في هذه الغزوة: أن الناس أصابهم عطش شديد، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله عودك في الدعاء خيرًا، فادع الله لنا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أتحب ذلك؟!))، قال: نعم، فرفع يديه نحو السماء، فلم يرجعهما حتى قالت السماء -أي تهيأت واستعدت- فأظلت، ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ولم تجاوز عسكرهم.

ولما وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبوك مكث فيها عشرين يومًا، ولم يلق فيها بأسًا، فقد تفرق من كان فيها من الروم والعرب لما سمعوا بمقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم، وصارت الملوك من حوله تبعث إليه رسلها تأخذ الأمان وتدفع الجزية.

وراسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هرقل قيصر الروم، بعث إليه دحية الكلبي بكتاب يدعوه إلى الإسلام والتوحيد، فلما جاءه كتاب رسول الله دعا قسيسي الروم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم الدار، فقال: قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم، وقد أرسل إلي يدعوني إلى ثلاث خصال؛ يدعوني أن أتبعه على دينه، أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا، والأرضُ أرضنا، أو نلقي إليه الحرب، والله لقد عرفتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي، فهلمَّ فلنتبعْه على دينه، أو نعطه مالنا على أرضنا، فنخروا نخرة رجل واحد -أي تكلموا بكملة واحدة فيها الغضب والرفض- حتى خرجوا من براسنهم، وقالوا: تدعونا إلى أن نذر النصرانية، أو نكون عبيدًا لأعرابي جاء من الحجاز، فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رفَأَهم -أي سكنهم وهدأهم ودعا لهم- ولم يَكَدْ، وقال: إنما قلت ذلك لأعلم صلابتكم على أمركم، ثم دعا رجلا من عرب تُجيب، كان على نصارى العرب، فقال: ادع لي رجلا حافظًا للحديث، عربي اللسان، ابعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه، فجاء برجل من تنوخ فدفع إليه هرقل كتابًا، فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل، فما سمعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال؛ انظر هل يذكر صحيفته إلي التي كتب بشيء، وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل، وانظر في ظهره هل به شيء يربيك؟ قال: فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك، فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيًا على الماء، فقلت: أين صاحبكم؟ قيل: ها هو ذا، فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه، فناولته كتابي، فوضعه في حَجره، ثم قال: ((ممن أنت؟)) فقلت: أنا أخو تنوخ، قال: ((هل لك في الإسلام الحنيفية، ملة أبيك إبراهيم؟)) قلت: إني رسول قوم، وعلى دين قوم، لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم، فضحك وقال: (({إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين}، يا أخا تنوخ إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه، والله ممزقه وممزق ملكه، وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فخرَّقها، والله مخرقه ومخرقُ ملكِه، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها، فلن يزال الناس يجدون منه بأسًا ما دام في العيش خير))، قلت: هذه إحدى الثلاثة التي أوصاني بها صاحبي، وأخذت سهمًا من جَعبتي فكتبتها في جلد سيفي، ثم إنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره، قلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قالوا: معاوية، فإذا في كتاب صاحبي: تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فأين النار؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((سبحان الله! أين الليل إذا جاء النهار؟!)) قال: فأخذت سهمًا من جَعبتي فكتبته في جلد سيفي، فلما أن فرغ من قراءة كتابي قال: ((إن لك حقًا، وإنك رسول، فلو وجدتُ عندنا جائزة جوزناك بها، إنا سَفْر مُرمِلون))، قال فناداه رجل من طائفة الناس، قال: أنا أجوزه، ففتح رحله فإذا هو يأتي بحلة صفُّورية، فوضعها في حَجري، قلت: من صاحب الجائزة؟ قيل لي: عثمان، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيكم ينزل هذا الرجل؟))، فقال فتى من الأنصار: أنا، فقام الأنصاري وقمت معه، حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ((تعال يا أخا تنوخ))، فأقبلت أهوي إليه حتى كنت قائمًا في مجلسي الذي كنت بين يديه، فحل حُبْوته عن ظهره، وقال: ((ههنا امض لما أمرت له))، فجُلتُ في ظهره فإذا أنا بخاتمٍ في موضع غُضون الكتف، مثل الحجْمة الضخمة. رواه الإمام أحمد، وفي سنده ضعف.

وهكذا كان هدي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في تعامله مع رسل الملوك، وفي دعوته إلى الناس، وفي اتخاذ القوة في جميع أمره، وصدق الله إذ يقول: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.

وكان من حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه، أنه يخبرهم بما سيقع لهم، ويرشدهم إلى اتخاذ الحيطة لتسلم لهم إبلهم وأمتعتهم وأنفسهم، ففي صحيح مسلم عن أبي حميد قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم فيها أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله، فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء.

وأما الرجلان اللذان سبهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما شربا من عين تبوك -مع أنه قد نهاهم عن ذلك- فقد كانا منافقين، وكان مقصودهما إفساد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولهم مع النبي مواقف كثيرة آذوه فيها، وسعوا في مخالفة أمره، وصد الناس عن الالتفاف حوله، وحاولوا القضاء عليه، ولكن الله يعصمه منهم، ويكفيه شرهم، وقد ظهر أمرهم في هذه الغزوة في مواقف كثيرة، ذكرنا بعضها فيما مضى، وسنذكر بعضها إن شاء الله في حديث قادم؛ فقد كانت هذه الغزوة مدرسة عظيمة للأمة تنهل منها أعظم الدروس والمواعظ.

   طباعة 
0 صوت

روابط ذات صلة

Separator

جديد المقالات

Separator
رأس مكارم الأخلاق - ركن المقالات