المسيح عليه السلام3 (الأنصار والأعداء)
المقالة

المسيح عليه السلام3 (الأنصار والأعداء) | ||
إن وعد الله لا يخلف، وإن دينه لا يهزم، وإن نوره لا يُطفأ، وإنه ليس بغافل عما يعمل الظالمون، وإنه بالغ أمره، وقد جعل لكل شيء قدرًا، ومضت سنته أن يكون لكل نبي عدوًا من شياطين الجن والإنس، يحاربونه، ويردون دعوته، ويُلبِّسون على الناس أمره، ويحسدونه على ما أنعم الله به عليه. هؤلاء الأعداء مجرمون، يهُمُّون بكل رسولٍ ليقتلوه، ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، فلا يرقبون في أنبياء الله ورسله إلا ولا ذمة، يمكرون الليل والنهار، ويسعون بكل مكر كُبَّار، يقول الله تعالى لنبيه وخليله وأحب الخلق إليه لما شكا إليه هجران الناس للقرآن: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من المجرمين وكفى بربك هاديًا ونصيرًا}. وإنما كان ذلك من حكمة الله وسنته ليظهر الحق ظهورًا قويًا، ولتندفع كل شبهة يلقيها الأعداء في وجهه، وليميز الله الخبيث من الطيب، وليكتفي الخلق بخالقهم هاديًا يستهدونه فيهديهم، وناصرًا يستنصرون به فينصرهم. وهكذا كان لسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لما قام في بني إسرائيل يدعوهم إلى الله، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويتلوا عليهم الإنجيل الذي أنزله الله عليه، فيه هدى ونور، ومصدقًا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين، لكنهم كفروا بالله ورسله، وسعوا في قتل رسل الله وأنبيائه، فقتلوا زكريا عليه السلام، ثم قتلوا يحيى بن زكريا، وكان ابن خالة عيسى عليهم الصلاة والسلام جميعًا، ثم سعوا في قتل عيسى، فخرج من عندهم، وكان لا يساكنهم، بل يكثر من السياحة هو وأمه، ثم سعوا إلى ملك دمشق في زمانه، وكان مشركًا من عبدة الأوثان من اليونان، فوشوا به إليه، واتهموه بأنه يفتن الناس ويضلهم، ويفسد على الملك رعاياه. فلما أحس عيسى منهم الكفر، وأنهم يكيدون له بالقتل، قال لمن معه: من أنصاري إلى الله؟ أي من أتباعي حقًا وصدقًا، يصبر معي، وينشر دعوتي، وبشرهم برسول يأتي من بعده، اسمه أحمد، وأنه سيكون له من العز والنصر والتمكين ما لا يوجد لأحد قبله، فقالت طائفة ممن معه: نحن أنصار الله، فسماهم الله حواريين؛ لأن الحواري هو الناصر، ولقد مدحهم الله تبارك وتعالى من أجل ذلك، وأمرنا أن نكون مثلهم، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله، كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله، قال الحواريون نحن أنصار الله}. فلما مكر اليهود بالمسيح عليه السلام هذا المكر الخبيث مكر الله بهم مكره، ورفعه من بين أظهرهم، وألقى على غيره شبهه، فظنوه هو، فقتلوه وصلبوه، وهم في شك من كونه هو، كما قال الله تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا ابتاع الظن وما قتلوه يقينًا، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا}، وحصل لأتباعه من بعده من البلاء والقتل ما الله به عليم، ثم نصرهم الله على اليهود، وجعلهم فوقهم، فأذلوهم أعظم إذلال، وفرقوهم في البلدان، وتسلطوا عليهم إلى يومنا هذا. ولكن النصارى افترقت في المسيح ثلاث فرق، فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء، ثم صعد إلى السماء، وقال فرقة: فينا ابن الله ما شاء، ثم رفعه الله إليه، وقالت فرقة: فينا عبد الله ورسوله ما شاء الله، ثم رفعه الله إليه، وهؤلاء هم المسلمون، فتظاهرت الكافرتان على المسلمة، فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسًا، حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خاتمًا للرسل، بشريعة لا تتغير ولا تتبدل إلى قيام الساعة، ولا يزال قائما منصورًا ظاهرا على كل دين، فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها، واحتازوا جميع الممالك، ودانت لهم جميعُ الدول، وكسروا كسرى، وقَصروا قيصر، وسلبوهما كُنُوزَهما، وأنفقت في سبيل الله، كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم، عز وجل، في قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}. إن هؤلاء الذين صدقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشهدوا له بالرسالة، ولربه بالوحدانية هم أتباع المسيح حقًا، والحواريون صدقًا، ولهذا مكنهم الله من أرض الشام، فسلبوها من النصارى، وأَجْلَوهم إلى الروم، فلجؤوا إلى مدينتهم القسطنطينية، ثم فتح المسلمون عاصمتهم هذه، كما أخبر الصادق المصدوق أيضًا، صلوات ربي وسلامه عليه، وصارت عاصمة من عواصم المسلمين، ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة، وإنما يحصل في بعض الأزمان إدالة الكفار من النصارى وغيرهم على المسلمين، ابتلاء من الله، وعقوبة لهم على تركهم اتباع الرسول صلى الله عليه وآله سلم، ولو صدقوا مع الله لصدق الله معهم، فإنه يقول: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}. لقد نصر الله رسوله وصحبه ببدر وكانوا أذلة، ثم نصره في مواطن كثيرة، ونصر صحابته على النصارى في اليرموك، وهم أقل منهم عددًا وعدة، ونصرهم على فارس، وهم كذلك، لقد نصرنا الله في مواطن كثيرة، وأظهر ديننا، وأعز أمرنا، وثبت أمننا، وأذل كل من خالفنا، وجعلنا ملوك الأرض. ثم ماذا بعد ذلك؟!! تداعت علينا الأمم، وتسلطت علينا، وسامتنا سوء العذاب، حتى إن أذل خلق الله، ممن لم يكن لهم في يوم من الأيام دولة ولا جند، صاروا فينا رؤوسًا، وعلينا أسودًا، وفي بلادنا وحوشًا، يقتلون وينهبون، ويعذبون ويهتكون، ويقول قائل الناس اليوم: متى نصر الله؟! أين الله؟! أفلا ينصر المستضعفين؟! ويظنون بالله الظنونا، يظنون بالله ظن الجاهلية! أفيعجز القوي القهار الذي أهلك الأمم الماضية، والذي يقبض السموات والأرض بيده، وملائكته تحيط برقاب العباد من كل ناحية، أفيعجز عن مخلوق ضعيف ومن معه من الجند أن ينتصر للمستضعفين منهم؟! لا وربي، لا يعجز ربي عن شيء في السماء والأرض، ولكنه يبلو بعضنا ببعض ليميز الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعًا فيجعله في جهنم. وإن الذي وفى بعهده لمن سبقنا، سيفي بعهده لنا، إن نحن وفينا بعهده إلينا، كما وفى من سبقنا بعهده إليه. | ||
|
روابط ذات صلة

المقالة السابق | المقالات المتشابهة | المقالة التالي |
جديد المقالات
